Abstract:
عبّر نظرية العقوبة المبررة عن محاولة لتحقيق التوازن بين استقرار الأحكام القضائية ومبدأ العدالة، غير أنّ هذا التوازن يظل هشًّا في ظل ما تثيره من إشكالات قانونية ودستورية. إذ أن قبول بقاء أحكام مشوبة بأخطاء قانونية، ولو كانت غير مؤثرة على مقدار العقوبة، يفتح الباب أمام المساس بضمانات جوهرية، من أهمها احترام مبدأ الشرعية الجنائية وحقوق الدفاع.
كما تبرز خطورة النظرية في كونها قد تؤدي إلى تثبيت عقوبات غير مناسبة، نتيجة أخطاء في التكييف أو التقدير، دون منح المتهم فرصة حقيقية للطعن، مما يُفرغ مبدأ التفريد العقابي من محتواه، ويحدّ من الدور الرقابي لمحكمة النقض. وعلى الرغم من أن بعض الأنظمة القانونية تبنّتها بدافع الملاءمة والفعالية، فإن تبرير الإبقاء على قرارات غير سليمة قانونًا يظل محل تساؤل في نظام يفترض أن يقوم على الشرعية والعدالة لا على المواءمة الشكلية.
وعليه، فإن سلامة النظام الجنائي لا تتحقق فقط باستقرار الأحكام، وإنما أيضًا باحترام الضمانات الإجرائية والموضوعية التي تكفل عدالة هذه الأحكام. مما يجعل من الضروري – إذا أُخذ بهذه النظرية – أن تُقيَّد بضوابط صارمة تُحد من تطبيقها، وتضمن ألّا تتحوّل إلى وسيلة لتكريس أخطاء قضائية على حساب مصلحة المتقاضين.
من ثم، فإن نظرية العقوبة المبررة، على الرغم مما قد تحققه من فاعلية إجرائية، تظل بحاجة إلى إعادة تقييم جاد يضمن انسجامها مع المبادئ الدستورية للعدالة الجنائية